فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

عبر عن الوالد بالمولود له، إيماء إلى أنه الحقيق بهذا الحكم؛ لأن منافع الولد منجرة إليه، وهو لاحق به ومعتز به في القبيلة حسب مصطلح الأمم، فهو الأجدر بإعاشته، وتقويم وسائلها. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَعلَى المولود لَهُ} أي وعلى الأب. ويجوز في العربية وعلى المولود لهم كقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42] لأن المعنى وعلى الذي ولد له والذي يعبر به عن الواحد والجمع كما تقدّم. اهـ.
قال القرطبي:
قوله تعالى: {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} الرزق في هذا الحكم الطعام الكافي، وفي هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لضعفه وعجزه. وسماه الله سبحانه للأُمّ؛ لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرّضاع كما قال: {وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] لأن الغذاء لا يصل إلا بسببها.
وأجمع العلماء على أن على المرء نفقة ولده الأطفال الذين لا مال لهم. وقال صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة وقد قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيحٌ وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ إلاّ ما أخذت من ماله بغير علمه فهل عليّ في ذلك جناح؟ فقال: «خذِي ما يكفيك وولدكِ بالمعروف».
والكسوة: اللباس. وقوله: بالمعروف أي بالمتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط. ثم بيّن تعالى أن الإنفاق على قدر غِنَى الزوج ومَنْصِبها من غير تقدير مُدٍّ ولا غيره بقوله تعالى: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} على ما يأتي بيانه في الطلاق إن شاء الله تعالى. وقيل المعنى: أي لا تُكلَّف المرأةُ الصبرَ على التقتير في الأُجرة، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف بل يراعي القصد. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ لِعَجْزِهِ وَضَعْفِهِ؛ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى يَدَيْ أَبِيهِ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِ؛ وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْأُمَّ لِأَنَّ الْغِذَاءَ يَصِلُ إلَيْهِ بِوَسَاطَتِهَا فِي الرَّضَاعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} لِأَنَّ الْغِذَاءَ لَا يَصِلُ إلَى الْحَمْلِ إلَّا بِوَسَاطَتِهِنَّ فِي الرَّضَاعَةِ؛ وَهَذَا بَابٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ مِثْلُهُ. اهـ.

.قال ابن عاشور:

المعروف: ما تعارفه أمثالهم وما لا يجحف بالأب.
والمراد بالرزق والكسوة هنا ما تأخذه المرضع أجرًا عن إرضاعها، من طعام ولباس لأنهم كانوا يجعلون للمراضع كسوة ونفقة، وكذلك غالب إجاراتهم؛ إذ لم يكن أكثر قبائل العرب أهل ذهب وفضة، بل كانوا يتعاملون بالأشياء، وكان الأجراء لا يرغبون في الدرهم والدينار، وإنما يطلبون كفاية ضروراتهم، وهي الطعام والكسوة، ولذلك أحال الله تقديرهما على المعروف عندهم من مراتب الناس وسعتهم، وعقبه بقوله: {لا تكلف نفس إلا وسعها}. اهـ.

.قال الجصاص:

وقَوْله تَعَالَى: {بِالْمَعْرُوفِ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ هُوَ عَلَى قَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ فِي إعْسَارِهِ وَيَسَارِهِ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ إلْزَامُ الْمُعْسِرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُهُ، وَلَا إلْزَامُ الْمُوسِرِ الشَّيْءَ الطَّفِيفَ.
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا عَلَى مِقْدَارِ الْكِفَايَةِ مَعَ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا}، فَإِذَا اشْتَطَّتْ الْمَرْأَةُ وَطَلَبَتْ مِنْ النَّفَقَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ الْمُتَعَارَفِ لِمِثْلِهَا لَمْ تُعْطَ، وَكَذَلِكَ إذَا قَصَّرَ الزَّوْجُ عَنْ مِقْدَارِ نَفَقَةِ مِثْلِهَا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَةِ مِثْلِهَا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي الآية دليل على تسويغ اجتهاد الرأي في أحكام الحوادث، إذ لا يتوصل إلى تقدير النفقة بالمعروف إلا من جهة غالب الظن، إذ هو معتبر بالعادة. اهـ.

.قال الفخر:

المراد من الآية أن أب هذا الصبي لا يكلف الإنفاق عليه وعلى أمه، إلا ما تتسع له قدرته، لأن الوسع في اللغة ما تتسع له القدرة، ولا يبلغ استغراقها، وبين أنه لا يلزم الأب إلا ذلك، وهو نظير قوله في سورة الطلاق: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} ثم قال: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أخرى} ثم بين في النفقة أنها على قدر إمكان الرجل بقوله: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ مَا آتاها} [الطلاق: 6، 7]. اهـ.

.قال الجصاص:

وقَوْله تَعَالَى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا} يُوجِبُ بُطْلَانَ قَوْلِ أَهْلِ الْإِجْبَارِ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللَّهَ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَإِكْذَابٌ لَهُمْ فِي نِسْبَتِهِمْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ وَيَنْسُبُونَ إلَيْهِ مِنْ السَّفَهِ وَالْعَبَثِ عُلُوًّا كَبِيرًا. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كانت نتيجة ذلك حصول النفع ودفع الضر قال: {لا تضآر والدة بولدها} أي لا تضر المنفق به ولا يضرها، وضم الراء ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب على الخير وهو آكد، وفتح الباقون على النهي، ويحتمل فيها البناء للفاعل والمفعول {ولا مولود له بولده} أي المولود على فراشه ليس له أن يضر الوالدة به وليس لها أن تضره به ولا أن تضر الولد بتفريط ونحوه حملًا للمفاعلة على الفعل المجرد، وكل من أسند سبحانه وتعالى المضارة إليه أضاف إليه الولد استعطافًا له عليه وتحريكًا لطبعه إلى مزيد نفعه. قال الحرالي: ففيه إيذان بأن لا يمنع الوالد الأم أن ترضع ولدها فيضرها في فقدها له ولا يسيء معاملتها في رزقها وكسوتها بسبب ولدها، فكما لم يصلح أن يمسكها زوجة إلا بمعروف لم يصلح أن يسترضعها إلا بالمعروف ولا يتم المعروف إلا بالبراءة من المضارة. وفي إشعاره تحذير الوالدات من ترك أولادهن لقصد الإضرار مع ميل الطبع إلى القيام بهم وكذلك في إشعاره أن لا تضره في سرف رزق ولا كسوة- انتهى.
ولما تم الأمر بالمعروف وما تبعه من تفسيره وكان ذلك على تقدير وجود الوالد إذ ذاك بين الحال بعده فقال: {وعلى الوارث} أي وارث الوالد وهو الرضيع {مثل ذلك} أي المأمور به من المعروف على ما فسره به في ماله إن مات والده والوارث. قال الحرالي: المتلقى من الأحياء عن الموتى ما كان لهم من حق أو مال- انتهى. وقيل في الوارث غير ذلك لأنه تقدم ذكر الوالدات والولد والمولود له فاحتمل أن يضاف الوارث إلى كل منهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

جملة: {لا تضار والدة بولدها} اعتراض ثان، ولم تعطف على التي قبلها تنبيهًا على أنها مقصودة لذاتها، فإنها تشريع مستقل، وليس فيها معنى التعليل الذي في الجملة قبلها بل هي كالتفريع على جملة: {لا تكلف نفس إلا وسعها}؛ لأن إدخال الضر على أحد بسبب ما هو بضعة منه، يكاد يخرج عن طاقة الإنسان؛ لأن الضرار تضيق عنه الطاقة، وكونه بسبب من يترقب منه أن يكون سبب نفع أشد ألمًا على النفس، فكان ضره أشد.
ولذلك اختير لفظ الوالدة هنا دون الأم كما تقدم في قوله: {يرضعن أولادهن} وكذلك القول في {ولا مولود له بولده} وهذا الحكم عام في جميع الأحوال من فراق أو دوام عصمة، فهو كالتذييل، وهو نهي لهما عن أن يكلف أحدهما الآخر ما هو فوق طاقته، ويستغل ما يعلمه من شفقة الآخر على ولده فيفترص ذلك لإحراجه، والإشفاق عليه.
وفي المدونة: عن ابن وهب عن الليث عن خالد بن يزيد عن زيد بن أسلم في قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها} الآية يقول ليس لها أن تلقي ولدها عليه ولا يجد من يرضعه، وليس له أن ينتزع منها ولدها، وهي تحب أن ترضعه وهو يؤيد ما ذكرناه.
وقيل: الباء في قوله: {بولدها وبولده} باء الإلصاق وهي لتعدية {تضار} فيكون مدخول الباء مفعولًا في المعنى لفعل {تضار} وهو مسلوب المفاعلة مراد منه أصل الضر، فيصير المعنى: لا تضر الوالدة ولدها ولا المولود له ولده أي لا يكن أحد الأبويين بتعنته وتحريجه سببًا في إلحاق الضر بولده أي سببًا في إلجاء الآخر إلى الامتناع مما يعين على إرضاع الأم ولدها فيكون في استرضاع غير الأم تعريض المولود إلى الضر ونحو هذا من أنواع التفريط. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وَعَلَى الوارث مِثْلُ ذلك} فاعلم أنه لما تقدم ذكر الولد وذكر الوالد وذكر الوالدات احتمل في الوارث أن يكون مضافًا إلى واحد من هؤلاء، والعلماء لم يدعوا وجهًا يمكن القول به إلا وقال به بعضهم.
فالقول الأول: وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن المراد وارث الأب، وذلك لأن قوله: {وَعَلَى الوارث مِثْلُ ذلك} معطوف على قوله: {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف} وما بينهما اعتراض لبيان المعروف، والمعنى أن المولود له إن مات فعلى وارثه مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة، يعني إن مات المولود له لزم وارثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالشرط المذكور، وهو رعاية المعروف وتجنب الضرار، قال أبو مسلم الأصفهاني هذا القول ضعيف، لأنا إذا حملنا اللفظ على وارث الولد والولد أيضًا وارثه، أدى إلى وجوب نفقته على غيره، حال ماله مال ينفق منه وإن هذا غير جائز، ويمكن أن يجاب عنه بأن الصبي إذا ورث من أبيه مالًا فإنه يحتاج إلى من يقوم بتعهده وينفق ذلك المال عليه بالمعروف، ويدفع الضرار عنه، وهذه الأشياء يمكن إيجابها على وارث الأب.
القول الثاني: أن المراد وارث الأب يجب عليه عند موت الأب كل ما كان واجبًا على الأب وهذا قول الحسن وقتادة وأبي مسلم والقاضي، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أنه أي وارث هو؟ فقيل: هو العصبات دون الأم، والأخوة من الأم، وهو قول عمر والحسن ومجاهد وعطاء وسفيان وإبراهيم وقيل: هو وارث الصبي من الرجال والنساء على قدر النصيب من الميراث، وهو قول قتادة وابن أبي ليلى، قالوا: النفقة على قدر الميراث، وقيل: الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون غيرهم من ابن العم والمولى وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واعلم أن ظاهر الكلام يقتضي أن لا فضل بين وارث ووارث، لأنه تعالى أطلق اللفظ فغير ذي الرحم بمنزلة ذي الرحم، كما أن البعيد كالقريب، والنساء كالرجال، ولولا أن الأم خرجت من ذلك من حيث مر ذكرها بإيجاب الحق لها، لصح أيضًا دخولها تحت الكلام، لأنها قد تكون وارث كغيرها.
القول الثالث: المراد من الوارث الباقي من الأبوين، وجاء في الدعاء المشهور: واجعله الوارث منا، أي الباقي وهو قول سفيان وجماعة.
القول الرابع: أراد بالوارث الصبي نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى فإنه إن كان له مال وجب أجر الرضاعة في ماله، وإن لم يكن له مال أجبرت أمه على إرضاعه، ولا يجبر على نفقة الصبي إلا الوالدان، وهو قول مالك والشافعي.
أما قوله تعالى: {مِثْلُ ذلك} فقيل من النفقة والكسوة عن إبراهيم، وقيل: من ترك الإضرار عن الشعبي والزهري والضحاك، وقيل: منهما عن أكثر أهل العلم. اهـ.